يرى ابن سينا بأن لكل نبي مراميزه وكما قال أفلاطون أن من لم يقف على معاني ورموز الرسل , لم ينل الملكوت الإلهي ! وكان من بعض تلك المراميز التي تحدث عنها ابن سينا عن ماهية الجنة والنار .. فقال بأن العوام ثلاثاً: عالم حسي , وعالم وهمي وخيالي , وعالم عقلي . فالعالم العقلي هو الجنة , والعالم الحسي هو القبور أو أرض الواقع , والعالم الخيالي أو الوهمي هو الصراط المستقيم القائم على ظهر جهنم . وبما أن العالم العقلي يستقرأ الجزئيات ويدرك الواقع عن طريق الحواس أي عن العالم التجريبي ( الأرض ).. وأن الشيئ المحسوس والمدرك يمر بالخيال فالوهم فالفكرة ( الصراط القائم على جهنم ). فإن أتم الشيئ المدرك تتابعه بلغ عالم العقل حيث النعيم المقيم ( الجنة ) .. وإن وقف على الوهم والخيال وأقامهما مقام العقل وآمن بهما كحق مصدق فإنه سكن جهنم وخسر خسراناً عظيماً .. وقال تعالى " وإن منكم إلاّ وأردها " أي جهنم بخيال ووهم وفكرة الشيئ المدرك .. وحديثه هذا يعني بأن لاتعارض بين تيارين الفلسفة المادية والمثالية .. إذ أن أولاهما شرطٌ للثاني .. فمن أولى العمليات التي يحتاجها العقل للإدراك هي الإحساس بالشيئ أو المعنى .. فمثلاً عندما يصف الله نعيم الجنة من فاكهة ونخيل وخمرٍ ولبن وماء , يأتي في نهاية القول بأن فيها مالا أُذن سمعت ولا عينٌ رأت ولاخطر على قلب بشر .. فنظل بعدها عاجزين عن تخيل تفاحة لاتشبه تفاحة دنيانا! ! // وكان مما ذكره أيضاً في عدد أبواب جهنم السبعة وأبواب الجنة الثمانية .. ففسره بأن الأشياء يتم إدراك جزئياتها عن طريق الحواس الظاهرة وهي ( خمسة ) , و إدراك الصور مع موادها أو من غير موادها في خزانة الحواس المسماة بـ ( الخيال ) , وقوة حاكمة عليها حكماً غير واجب وهو ( الوهم ), حيث يهتم الوهم بتحديد المعاني للمدركات الغير مادية بذاتها كالخير والشر , والموافق والمخالف . وقوة حاكمة حكماً واجباً وهو ( العقل ) الذي يدرك ويحكم على الأشياء بتجرد تام حتى يحكم على الكل بما يصلح للجزئيات .. فهذه الثمانية متى ما اجتمعت تحقق للإنسان السعادة السرمدية ومتى مانقص آخرها ( العقل ) فإنها شقاوة أبدية تستبد بالنفس في الظلمات .. والمستعمل في اللغة أن الشيئ المؤدي إلى شيئ يسمى باباً .. فالسبعة المؤدية إلى النار سميت أبواباً لها , والثمانية المؤدية إلى الجنة سميت أبواباً لها ! وهكذا نتجاوز ظاهر القول القرآني لباطنه !
تحياتي لكم