الحمدُ للهِ رب العالمين، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدَنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أرسلَهُ ربُّهُ رحمةً للعالمينَ، اللهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ وبارِكْ علَى سيِّدِنَا محمدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحسانٍ إلَى يومِ الدِّينِ.
لقَدْ حثَّ الإسلامُ علَى استمرارِ الحياةِ الزوجيةِ ، وجعلَ مِنْ أهدافِهَا بناءَ الأسرةِ المترابطةِ المتماسكةِ ، قالَ اللهُ عز وجل: { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً } فالمودةُ والأُلفةُ وحسنُ العشرةِ، والتواصِي بالخيرِ وجميلِ الخلقِ قِوامُ الأسرةِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ”أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَاناً أَحْسَنُهُمْ خُلُقاً ، وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهِمْ“. ولقَدْ أمرَ اللهُ عز وجل الزوجَ بمعاشرةِ زوجتِهِ بالمعروفِ وبالصبرِ عليهَا حتَّى لَوْ كَرِهَ بعضَ أخلاقِهَا أَوْ لَمْ يُرْضِهِ جَمَالُهَا قالَ اللهُ عز وجل :{ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا } وقالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:”لاَ يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ“.
أيهَا المسلمونَ: إنَّ الزواجَ ميثاقٌ غليظٌ ، فلاَ يجوزُ التسرعُ فِي الطلاقِ، لأنَّ فيهِ نفورًا عَنْ مواطنِ الأُلفةِ والمودةِ والرحمةِ، وقَدْ جعلَهُ اللهُ تعالَى حلاًّ يلجأُ إليهِ الزوجانِ المتخاصمانِ عندمَا تفشلُ كلُّ الحلولِ ، وتنعدِمُ كلُّ السبلِ فِي استمرارِ الحياةِ الزوجيةِ ، وحينَ يُخيمُ الشقاءُ علَى أجواءِ البيتِ ، لذَا جاءَ فِي وصفِهِ أنَّهُ أبغضُ الحلالِ، قَالَ صلى الله عليه وسلم :”أَبْغَضُ الْحَلالِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى الطَّلاقُ“. وقدْ أُخبِرَصلى الله عليه وسلم عَنْ رجلٍ تَجاوزَ الحدَّ فِي الطلاقِ فقَالَ صلى الله عليه وسلم: ”مَا بَالُ أَحَدِكُمْ يَلْعَبُ بِحُدُودِ اللهِ يَقُولُ : قَدْ طَلَّقْتُ ، قَدْ رَاجَعْتُ“.
وحذَّرَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم المرأةَ فِي طلبِهَا للطلاقِ بلاَ سببٍ يُرضِي اللهَ تعالَى، فقالَ صلى الله عليه وسلم: ”أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلاقًا فِي غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ“. عبادَ اللهِ : إنَّ مِنَ السلوكياتِ المرفوضةِ أنْ يشتدَّ الغضبُ بينَ الزوجينِ لِمجردِ النقاشِ ويفقدَ أحدُهُمَا أعصابَهُ ويتفوَّهَ بكلماتٍ لاَ يقصدُهَا ، وربمَا يصلُ الأمرُ إلَى الطلاقِ، ولنتذكَرْ أَنَّ رَجُلاً أَتَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي كَلِمَاتٍ أَعِيشُ بِهِنَّ ، وَلاَ تُكْثِرْ عَلَيَّ فَأَنْسَى فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :”لا تَغْضَبْ“. ومَا أحكمَ أبَا الدرداءِ وهوَ يُخاطبُ زوجتَهُ : إذَا رأيتِنِي غاضباً فرضِّينِي، وإذَا رأيتُكِ غضْبَى رضَّيْتُكِ، وإلاَّ لَمْ نَصْطَحِبْ.
وحذَّرَ الإسلامُ مِنْ هدمِ الأُسرةِ وزعزعةِ أركانِهَا، وأعطَى الزوجينِ حُلولاً تدريجيةً لحلِّ المشكلاتِ فِيمَا بينهُمَا مِنْ موعظةٍ وهجرٍ فِي الفراشِ وخلافِهِ ، فإنْ خافَا الشقاقَ تدخلَ الآخرونَ للإصلاحِ ، قالَ اللهُ سبحانَهُ وتعالَى :{ وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحاً يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً} } ) لأنَّ فصْمَ رابطةِ الزوجيةِ أمرٌ خطيرٌ ، يترتَّبُ عليهِ آثارٌ بعيدةُ المدَى فِي حياةِ الفردِ والأسرةِ والمجتمعِ ، ولاَ يُلجأُ إليهِ إلاَّ بعدَ استنفادِ كلِّ وسائلِ الإصلاحِ ، وبعدَهَا يأتِي التوجيهُ الربانِيُّ :{ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ } } ) فإِنْ طلَّقَ الرجلُ زوجتَهُ فلاَ يُشَهِّرْ بِهَا ، ولاَ يتتبَّعْ أخبارَهَا ولاَ يتقوَّلْ عليهَا ، وليتذكَّرْ دائمًا قولَ اللهِ تعالَى :{وَلاَ تَنسَوُا الفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} فمَا أجملَ التأسِّيَ بِخُلقِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الرفقِ فِي الأمورِ كلِّهَا ، ففيهِ مصلحةُ الإنسانِ فِي دينِهِ ودنياهُ، فالإنسانُ يدركُ برفقِهِ وحكمتِهِ مَا لاَ يدركُهُ فِي طيشِهِ وعجلتِهِ، قَالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : ”إِنَّ الرِّفْقَ لاَ يَكُونُ فِى شَىْءٍ إِلاَّ زَانَهُ ، وَلاَ يُنْزَعُ مِنْ شَىْءٍ إِلاَّ شَانَهُ“.
فاتقُوا اللهَ ربَّكُمْ وخذُوا بأحسنِ الأخلاقِ، وأخلِصُوا فِي القولِ والعملِ، وتواصَوْا بالصبرِ، وتواصَوْا بالمرحمةِ. فاللهُمَّ ظلِّلْ بيوتَنَا بالإيمانِ، والمحبةِ والإخلاصِ، وأدم عليهَا السعادةَ والوئامَ بفضلِكَ وكرمِكَ يَا أرحمَ الراحمينِ. أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ، إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحيمُ.
من خطبة الجمعة بدبي
منقووول للفائده